أدوات مكافحة جرائم تعارض المصالح فى النظام القانونى المصرى
فرع ثانى
تقييم قانون تعارض المصالح
الأصل : هو صدور القوانين لتعالج مشاكل المجتمع ، والفساد والإنحراف بالسلطة من أعمقها فى العصر الحالى ، وصورة تضارب المصالح وتزاوج السلطة بالمال فيما يعرف بالنشاط الموازى للمسئول الحكومى . ويقاس أى قانون بعدم طغيان عيوبه على مزاياه فيفقد جدواه .
والقرار بقانون رقم 106 لسنة 2013 بشأن تعارض المصالح صدر ليواجه هذه المشكلة المستعصية ، فماذا أوجده من اليات وحلول جديدة ؟ . وما التوازن الذى أبرزه فى مجال العمل الوظيفى ؟ . وهل يستطيع القضاء على التربح والرشوة والمحسوبية وإستغلال النفوذ ؟ .
لذا يتم تقييمه على النحو التالى :
أولاً / مزايا قانون تعارض المصالح :
(أ) يحد من الإنحراف بالسلطة والبيروقراطية نتيجة الإزدواجية فى القرارات وتضارب الإختصاصات بمايساهم فى إزالة شبهة التربح والرشوة وإستغلال النفوذ والمحسوبية وبما يساعد على خلق مناخ جذاب للإستثمار . و يواجه مشاكل الإنحراف وفصل الملكية العامة والخاصة ، وتحقيق قدر من النزاهة والشفافية وتجنب إنحراف السلطة التقديرية .
(ب) عقوباته متوازنة فيقرر فى مادته (17) مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص بها فى قانون العقوبات كالرشوة والإستيلاء والتربح أوأى قانون أخر .
فإن مخالفة أحكام هذا القانون هى الحبس والغرامة التى لاتقل عن العائد الذى تحقق ولاتزيد عن ضعفه أوبأحدى هاتين العقوبتين وفى جميع الحالات يحكم برد العائد وبالعزل من الوظيفة . فالقاضى مخير بين الأخذ بعقوبة الحبس أوالغرامة النسبية أويجمع بينهما ، ولم ينص على عقاب الشروع فى الجريمة .
ثانياً / عيوب قانون تعارض المصالح :
يقال إنه قانون ينتهك ( قرينة البراءة ) لإفتراض توافر شبهة تعارض المصالح ( النسبى ) وقد تتمثل فى توافر مجرد حالة يحتمل فيها وقوع ضرر للمصلحة أوالوظيفة العامة ، وأن لم يقع بالفعل فهو ينذر بوقوعه مستقبلاً .
وهو قول مردود عليه بأن هذه الحالةيتخذ فى سبيلها كافة الإجراءات التحوطية للحيلولة دون حدوث إنحراف ، وذلك بفصل الملكية والإفصاح عنها وإخطار لجنة الوقاية من الفساد ولايحرم أحد من ممتلكاته ويمارس صلاحياته التى تغل فى جانب الإدارة طالما ظل شاغلاً للوظيفة .
ويقال أنه قانون يعدم الكفاءات ويمنع الخبرات العملية من الإستعانة بها فى المجال الوظيفى إلا أن هذا القول لايمكن التسليم به حيث تقاس عملية التجريم بالتوازن بين المنافع والمضار وترجيح المصلحة العليا على الفردية .
كما يلاحظ أن التعارض قد يتعمق فى المجال السياسى والرقابى والنيابى والتنفيذى وفى هذا يتعين على القانون الجديد أن يضمن إزالة هذا التعارض لضمان الإستقلال والحماية من كل التأثيرات . ومن العيوب :
(أ) ضيق النطاق الشخصى للخاضعين لأحكامه :
فهو يقتصر على تجريم تضارب المصالح فى الجهاز التنفيذى فقط ولايمتد إلى من يتولى منصباً تشريعياً أوقضائياً .
فهو يخاطب فئة بعينها فى م (1) منه و هم ( كبار موظفى الدولة ) على المستوى الرأسى من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ونوابهم والمحافظين وسكرتيرى عموم المحافظات ورؤساء الهيئات والمصالح والأجهزة العامة ونوابهم .
فلايطبق على صغار الموظفين وهو أمر منتقد ولايمكن تغطيته بما يوجد فى مدونات السلوك الوظيفى . كما أن تعارض المصالح للنائب البرلمانى لايسعفه النص الدستورى طالما أفتقد صفة التجريم وفرض عقوبة .
والتعارض الناتج من إرباب السلطة القضائية لاتغطيه القواعد العامة الإجرائية المقررة فى قانون المرافعات المدنية والتجارية أوقانون السلطة القضائية فلابد من قانون متخصص يحد جذرياً من التعارض .
(ب) دور لجنة الوقاية من الفساد المحدود :
أوكل القانون بمقتضى مادته رقم (4) إلى لجنة ( تسمى الوقاية من الفساد ) تقدير مايعد تعارضاً مطلقاً أو نسبياً ، وهى سلطة خطيرة تتجلى عناصرها لاسيما ورئيس الجمهورية يهيمن على تشكليها وتحديد أختصاصتها الأخرى بما يفتح الباب لتغول السلطة التنفيذية على الجهات الرقابية .
والسياسة الحديثة لمكافحة إنحراف السلطة تقتضى منح هذه الجهات جانباً من الإستقلالية فى ممارسة عملها ، وكان الأولى أن يسند إختصاص تقدير التعارض أياً كان نوعه إلى جهة قضائية محايدة لضمان الحياد والنزاهة وفرصة لعدم تغول السلطة التنفيذية على الجهات الرقابية . وحتى الأن لم تشكل اللجنة على أرض الواقع رغم خطورتها وأهميتها فى تنفيذ أحكام القانون .
(ج) تعديلات فى صورة خطأ مادى :
تنبه الباحث إلى وجود تعديل غير مبرر صاغه واضعوه فى صورة إستدراك بتصحيح خطأ مادى الهدف منه هو تقليص الفترة الإنتقالية التى يحظر فيها على المسئول الحكومى عند تركه وظيفته الحكومية أن يتولى منصباً أو وظيفة في القطاع الخاص لدى شركة أو جهة كانت تابعة أو مرتبطة بعمله السابق أو خاضعة لرقابته ، أو القيام بأعمال مهنية خاصة ترتبط بها ، أو التعامل مع الجهة التي كان يرأسها إلا بعد موافقة لجنة الوقاية من الفساد وإخطارها بذلك .
ويحظر عليه الاستثمار في مجالات كانت تابعة له بشكل مباشر أو تقديم الاستشارات لشركات كانت تابعة أو خاضعة لرقابة الجهة التي كان يرأسها وذلك خلال المدة المشار إليها .
ويحظر على المسئول الحكومي القيام بأي عمل مما يمكن أن يعد استغلالاً للمعلومات التي كان يتيحها منصبه أو وظيفته السابقة .
وقد كانت الفترة قبل التعديل فى صورة ( إستدراك خطأ مادى ) مدة 6أشهر أمابعد التعديل أصبحت ثلاثة أشهر ، وهو تعديل يرتد بمقومات القانون للوراء .
ففى حين تتجه الدول إلى مد هذه الفترة بأكثر نطاق زمنى حتى تنقطع الصلات الوظيفية بالحياة الخاصة وتتطهر شبكة المصالح وتنعدم فرص التمادى فى إستغلال الوظيفة نجد أن المشرع المصرى يقللها وهو أمر غير محمود ويتعين تلافيه نظراً لتأثيره على زيادة معدلات إنحراف السلطة بعد ترك الخدمة وهو باب عظيم للفساد يجب غلقه .
كما يلاحظ أن تضارب المصالح قد يفضى إلى جرائم الكسب غير المشروع ومن المتعذر كشف تجاوز سقف مدة الحظر سواء طالت أم قصرت كلما لم يلتزم المقر بمافى ذمته بتقديم الإقرار فى ميعاده ونطاقه وبياناته .
وتلاحظ للباحث أن الجهة الإدارية قد تستبد بمضامين هذا الحظر وقد تطول مدته أوتقصر بحسب كل جهة وسلطتها وأختصاصها وطبيعة عملها وخطورته وأهميته ، وهو ماظهر فى العديد من اللوائح الداخلية التنظيمية التى قد تقلل من مدة الحظر .
كما أنه فى سكوت المشرع عن حظر ازدواجية التضارب بالعمل فى الحكومة والبرلمان ومباشرة العمل التجارى والمهنى مع الانضمام للجمعيات والمنظمات الأهلية والخيرية لاسيما وأن تلك الجمعيات قد تستغل مكانة وسمعة أعضاءها فى جمع تبرعات هائلة بالمخالفة للقانون ، ويمكن أدراج هذه الأفعال فى مضامين الحظر بالرغم من أغفال المشرع لها .
(د) جريمة تعارض المصالح ذات قالب حر :
قد يفهم من سياق المادة (16) من قانون حظر تعارض المصالح أن على المسئول الحكومى أثبات إنتفاء وقوعه فى حالات وصور التعارض وكل مايثير الشك والتسأول والريبة ممالم يرد فى هذه القانون من حالات صريحة واضحة .
كما يفهم من ذلك أن هذه الحالات وردت على سبيل المثال لا الحصر والتى نصت عليها المادة (2) من قانون 106لسنة 2013.
فصعوبة ضبط مقومات وعناصر الركن المادى فى الجريمة قد يساعد على الزج بالإبرياء وإنتشار الشبهات وإختراق قرينة البراءة الدستورية .
فإذا فتح المشرع الباب لإدخال الصور والحالات التى لايستوعبها النص بصورته الراهنة فهو مايكرس لفوضى تشريعية وتتبعثر قواعد المسئولية وتتناقض الأحكام القضائية ويسود الإنحراف أكثر وأكثر .
فربما يستعصى على المشرع وضع قائمة حصرية للأفعال التى تؤدى للجريمة ، فيتوجه صوب الجرائم ذات القالب الحر لحل هذه المعضلة وذلك كلما عجز عن وصف السلوك أوالفعل المكون للجريمة فيلجأ إلى تحديد نتيجته بطريقة مباشرة أوغير مباشرة ويشير إلى مضامين رابطة السببية بينهما .
ويلاحظ أنه طريق محفوف بالمخاطر وهو فى مجال الوظيفة العامة ممايجعل الإنحراف يشتد عوده ويضرب بجذوره كلما تذرعت سلطة الإتهام وقد تكون جهة إدارية منحرفة قد تعطل مسارات العمل لمجرد الشبهات التحوطية وبداعى الأفعال الإنتقامية أو طمس معالم جرائمها الخفية .
فجريمة تعارض المصالح قد تلامس مضامين الجرائم ذات القالب الحر بمقتضى المادة (2) و(16) والتى بينت أن الصور الواردة ليست حصرية ويمكن أن يستجد مستقبلاً أنماط جديدة ، ولامفر إلا بأعمال فكرة القالب الحر دون أن يصطدم مضمونها بمبدأ الشرعية الجنائية أوقرينة البراءة
. وقد يجد التعارض مصدره فى قانون أخر على حد وصف المادة (16) وقد يكون جنائى أوغير جنائى فيتوجب على كل مسئول إخطار لجنة الوقاية من الفساد بمظاهر الشك والريبة التى تضع بواطنها قواعد غير محددة ولهذا يجد المسئول طوفان من الحالات والشبهات التى لم يستغرقها النص .
كما يجب وضع تدابير وقائية للحفاظ على المال العام بمايؤكد ضرورة منع التضارب فى كافة مساراته ، فلايكون تغليظ العقاب أوتعديل موجباته هو السبيل الوحيد لتفعيل أسس الحماية .
وربما تتدافع التعديلات والترقيعات على قانون هو فى الأصل عديم السريان الفعلى لمثاليته المتناهية أو ثغراته المفتوحة ، هنا تتلعثم سبل الإصلاح وترتد بذلك التشريعات إلى الوراء لتكرس لحكم إنحرافى سلطوى لايمنح للأفراد أمنهم أو للدولة التى صنعته إستقرارها .
(و) اليات إزالة التعارض النسبى تفتقد الفعالية :
وخير مثال له ماقررته م (8) فيما يتعلق بضرورة فصل ملكية الأسهم والحصص عن إدارتها عن طريق قيام مسئول الحكومة بإبرام عقد لإدارة هذه الأصول مع شخص طبيعى أوأعتبارى مستقل من غير الأشخاص المرتبطين به . وعليه الإمتناع عن التدخل فىى قرارات إدارة تلك الأصول إلافى حالة البيع والتنازل .
فمن غير المنطقى مراقبة النوايا للمسئول الحكومى وكيف تضمن اللجنة عدم سيطرة المسئول الحكومى على قرارات الشخص المتصرف اليه لاسيما وأن صلاحياته لاتوجد بها أى ضمانات على أنها تمارس دون ضغوط أو توجيه مباشر من المسئول الحكومى نفسه .
فلايوجد عزل جامد لتصرفات الشخصين طوال مدة الخدمة والتى لاتتم أصلاً إلا فى مصلحة المسئول الحكومى فى جميع الحالات ، فهو يأخذ بنظام الإستئمان فى جانبه الشكلى .
فلايفرض ضوابط لاختيار الوكيل أوضمانات لعدم التصرف أولنطاق الصلاحيات الضمنية للوكيل .
والأصل أن ملكية العقارات لاتعد من الأنشطة التجارية مالم يتخذ شكل التعامل فى نطاقها شكل الإتجار والإعتياد والإحتراف .
كما أن القانون قد فتح باباً يسمح للمسئول بالتدخل لاسيما فى حالة التنازل أوالبيع وهو ماقد يستخدمه البعض لتتمدد خطوط الإنحرافات بمسارات المحسوبية وإستغلال النفوذ والتربح.
(ن) غموض بعض النصوص وإلتباسها :
فالمادة (10) توجب على المسئول الحكومى الذى كان قبل تولى منصبه يمارس نشاطاً مهنياً أن يتخذ كافة الإجراءات اللازمة لوقف نشاطه وتصفيته أوالتصرف فى حصته خلال شهرين من تعيينه . فبعض موظفى الحكومة كانوا يمارسون الأعمال المهنية كالمحاماة والطب وغيرها دون وجود اليات تمنع الجمع بين ذلك .
وهو أمر منتقد ينتقص من التفرغ التام للوظيفة العامة وقانون تضارب المصالح لم يأتى لعلاجه وقد حصر فئة تطبيقه طبقاً للمادة (1) على كبار موظفى الدولة والأولى أنه كان لابد وأنضمام كافة موظفى الدولة الكبار والصغار . وهناك مادة غامضة أخرى رقم (11) تحظر على المسئول الحكومى تقديم الخدمات الإستشارية سواء مدفوعة أومجاناً .
ولم يوضح القانون ماهية الخدمات الإستشارية ومضامينها فكثيراً ماينتدب مسئولى الحكومة الكبار (شاغلى الوظائف العليا) للإكتساب من خبراتهم الفنية النادرة فى الهيئات العامة والخاصة لاسيما التعليمى منها ولاتوجد أى ضوابط أوضمانات تمنع الحصول على أجر أومرتب تبعاً لأحكام هذه المادة .
لاسيما وأن السياسات العقابية يجب أن تأتى بعد عجز تكتيكات السياسة الإدارية لحل معضلات الجرائم الإنحرافية وهو التكامل المنشود لحل مشاكل الإنحراف .
لا تعليق